-->

رحلة هوية مصر القومية

 القومية المصرية



هناك جدل حول طبيعة علاقات مصر بالوطن العربي خارجياً وعلاقة مصر بذاتها داخلياً، في إطار تساؤلي حول ما هى الهوية الوطنية لمصر.
في البداية يجب ايضاح ان الهوية هى القلب النابض للشعوب، بل إنها الروح الحية التي تتنفس بداخلك وبكل ما هو حولك في وطنك، بل إنها وطنك ذاته.
وكيف تكون لك هوية وانت بلا انتماء، بل بالأحرى كيف ستنتمي لما هو مجهول او مشوش، فإن الانتماء يُبنى إلى ما يُنتمنى إليه وهى الهوية، وهوية الشعوب هى ارواحها ولا يمكن أن يكون للمرء روحان، بل واحدة وهى كيانه، هى ماهيته.
فكما كيان البشر كذلك كيان الوطن، علاقاته الخارجية ما هى الا امتداد يرتكز على كيانه الداخلي.


القومية المصرية خلال عصر الأسرات

على الصعيد الداخلي لمصر، فإن الهوية المصرية حية بحياة الأمة المصرية ذاتها، فمنذ فجر تاريخ مصر، أى لما يزيد عن السبعة آلاف عام، قد بدأ تشكل الهوية المصرية بكل جوانبها من عادات ثقافية وسلوكية ومعرفية وأساليب حياتية.
وقد صُقلت نواة تلك الهوية منذ عصور سحيقة تُعرف "بعصر ما قبل الاسرات" حيث امتد تواجد المصريين على شريط النيل في تجمعات متفرقة الا أنهم قد حملوا نفس الأنماط الحياتية والقدرات الإنتاجية، الأمر الذي تطور بتلقائية إلى التوحيد الأعظم عام ٣١٥٠ ق.م على يد الملك مينا موحد القطرين، وبهذا أقيمت اول دولة نظامية مركزية على أُسس قومية فطرية عرفها التاريخ البشري.

و على طول امتداد التاريخ المصري نرى بوضوح تشدد المصريين وتعصبهم المستميت لقومهم ولكيانهم على عدة جوانب، سياسياً وعسكرياً وعقائدياً وحتى مجتمعياً، فلم يكن لمصري ان يتزوج من غير المصري.

ويتجلى رفض الأمة المصرية الأبية التفريط في هويتها خلال عصر الأسرات، في نضالها الاستقلالي القائم بالضرورة على الانتماء القومي، فقد حارب المصريين الهكسوس والكوشيين والفرس على اساس استقلالي، فلا يحق ان تدنس الارض المصرية بقدم المحتل سواء عسكرياً ام ثقافياً، بل ونرى ان المصريين قاموا بثورات شديدة اتجاه الأسرة البطلمية والتي كانت في حقيقة الأمر لا شئ سوى امتداد لبطليموس الاول -جنرال الاسكندر الأكبر- والذين قد حكموا مصر بالسياسية والطراز والأسلوب المصري حتى اعتبرهم المؤرخين أسرة مصرية رغم أصلهم اليوناني، إلا أننا نرى أن حتى بعد أن فرض المصري ذاته وهويته عليهم، إلا أنه لم يستصيغ ان يُحكم على ايدي من هم غير مصريين عرقياً.





القومية المصرية خلال القرون الميلادية الاولى


لم يهنأ الرومان طويلاً بحكمهم مصر حتى اندلعت الثورات للتخلص منهم، فلم يكد يمر عام على استيلائهم على مصر حتى شبت ثورة في طيبة وكانت أول وأعنف ثورة للمصريين في بداية العصر الروماني وقد تزعم هذه الثورة أحد الكهنة اسمه "إيزودور" مما يدلل على أن الكهنة المصريين كانوا لا يزالون يشكلون القيادات الوطنية الحقيقة ممثلين الفكر القومي المصري لما حملوا من عقيدة مصرية تعكس هوية الوطن. 

ومن أخطر هذه الثورات ما حدث في عهد الإمبراطور ماركوس أورليوس (١٦١-١٨٠م) وعرفت بالحرب البكوليه -نسبة إلى منطقه في شمال الدلتا- حيث تمكن المصريون من هزيمة الفرق الرومانية وكادت الإسكندرية أن تقع في قبضة الثوار لولا وصول إمدادات للرومان من سوريا قضت على هذه الثورة، وقد اندلع عصيان مماثل في ١٩٣م. 

ويعتبر القرن الثالث الميلادي من الفترات الهامة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية ، لكونه فترة انتقال من الحضارة القديمة إلى حضارة العصور الوسطى، وكان موقفهم بصفة عامة هو مناصرة كل دعي للعرش أو ثائر على السلطة المركزية في روما، وذلك لإظهار كراهيتهم الشديدة واحتقارهم للحكم الروماني بإعتباره محتل مدنس للارض المصرية. 

في منتصف القرن الثالث لاحظ الإمبراطور ديقيوس (٢٤٩-٢٥١م) أن المسيحية قد زاد انتشارها وبدأ أنصارها يظهرون كقوة لها حسابها في الحياة العامة فقرر القيام بحملة شاملة للقضاء على جميع أتباع الدين الجديد قضاءً مبرماً في أنحاء الإمبراطورية وشهدت مصر اضطهاداً للمسيحيين بالتعذيب والصلب والقتل ولم ينج منهم إلا من فر إلى الصحاري أو ألتجأ إلى المقابر والكهوف، فبالرغم من الصراع الذي دار بين المصريين المسيحيين والمصريين على الديانة المصرية القديمة والذي اشتد في بعض الأحيان وكان له ضحايا أمثال هيباتيا السكندرية، الا ان المسيحية في مصر قد حملت أفكار عقائدية ذات أصول فلسفية مصرية فشكل انتشارها خطراً استقلالياً على اطماع الإمبراطورية الرومانية في مصر.

حدث في عهد دقلديانوس محاولة لاستقلال مصر حيث خرج عن طاعته والي الإسكندرية، فسار إليها وحاصرها ثمانية أشهر، ثم فتحها عنوة، وأطلق جنوده فيها ينهبون ويقتلون ويحرقون. 
ومن محاولات دقلديانوس في إعادة تنظيم الإمبراطورية أنه رأى في القضاء على المسيحية نجاة من الاختلافات والانقسامات في الرأي، أعتبر المسيحية في عصرها الأول حركة مناهضة للنظام الإمبراطوري المتوارث وبدأ تنفيذ فكرته هذه بوسائل سلمية، ولكنه لم ينجح فلجأ إلى الاضطهاد، وهو أقسى أضطهد عرفه المسيحيون في سنة ٣٠٣م، وأقام المذابح للمسيحيين وأحرق الكتب المقدسة ودمر الكنائس وصار هذا التاريخ يؤرخ به عند مسيحي مصر، وسمي بتاريخ الشهداء وهو أيضاً بداية تاريخ السنة القبطية وهو التقويم الذي توارثه المصريين عن أجدادهم المصريين القدماء، كما توارثوا اللغة والأعياد والألحان الموسيقية والطقوس والشعائر والفلسفات العقائدية.
أستمر اضطهاد المسيحيين على أيدي أباطرة الرومان بعد دقلديانوس حتى سنة ٣٢٣ م عندما تولى الإمبراطور قسطنطين (٣٢٣-٣٣٧م) وأصبح أول إمبراطور مسيحي للإمبراطورية الرومانية وأعترف رسمياً بالديانة المسيحية، وبتولي هذا الإمبراطور أمور الإمبراطورية الرومانية الشرقية حسب تقسيم دقلديانوس يبدأ في مصر عهد جديد هو العهد البيزنطي حيث خفت حدة الاضطهادات، ثم عاد الاضطهاد مرة أخري بل أشد ضراوة نظراً لاختلافات عقائدية مسيحية بين كنيستي مصر وروما، حيث ظل المصريين يطمحون نحو الاستقلال فشكلت عقيدتهم المسيحية الأرثوذكسية خطراً على روما من فقدان سيطرتهم على مصر.





القومية المصرية خلال العصور الوسطى


واستمرت الثورات المصرية الشديدة ضد الاحتلال العربي مثل ثورات البشامرة ..الخ.
وظل الانتماء القومي ظاهر وحي بحياة الهوية المصرية التي هى روح الأمة المصرية الحية بحياة الشعب المصري، فنرى إحدى جوانب استمرارية الهوية المصرية هى استمرار المصريين في التحدث بلغتهم الأم، اى اللغة القبطية بعد ما عنوا منه لمنعهم عنها واجبارهم على اللغة العربية، الأمر الذي وصل على أشده في العصر الفاطمي حيث أُمر بقطع لسان المتحدث بلغته الام، بالرغم من ذلك نرى ان المصريين ظلوا يتحدثون بها حتى مطلع القرن السادس عشر حتى ان الجندي المجهول وراء نجاح شمبليون في فك رموز حجر رشيد، هو المصري الصعيدي يوحنا الشفتشي الذي علم شمبليون اللغة القبطية والتي هى اخر مرحلة من مراحل تطور اللغة المصرية القديمة.

وحرص المصريون على ان يتوارثوا اللغة والأعياد والألحان الموسيقية والطقوس والشعائر والفلسفات العقائدية عن جدودهم المصريين القدماء في صورة المسيحية المصرية، حيث ان تكوين الفكر المسيحي الأرثوذكسي في مصر قد حملها أفكار عقائدية ذات أصول فلسفية مصرية، فظل العرب الحاكمين يعرفون المصريين كـأثنية مستقلة تقع تحت حكمهم يدعون بالاقباط.





القومية المصرية خلال العصر الحديث

أيضاً من أشد مظاهر الإنتماء القومي المصري هى محاولة استقلال مصر التى قادها الجنرال يعقوب قائد اول جيش مصري خالص منذ عصور مصر القديمة والذي تكون من حوالي ٢٠٠٠ جندي مصري صعيدي، لكن بعد معاهدة ٢٧ يونيو عام ١٨٠١م سيطر العثمانيون على القاهرة مما أدى لإحباط مشروع استقلال مصر.
ان القومية المصرية في العصر الحديث قد انتعشت مجدداً وبدأت تستعيد عافيتها بحلول القرن التاسع عشر، فبإستقلال مصر من العثمانيين بحلول عهد الأسرة العلوية وبانشاء جيشاً مصرياً توجت معاركه بالنصر على الدولة السعودية الأولى والتي نجح المصريين في إخضاعها وتدمير عاصمتها الدرعية، استرجع المصري ذاكرته القومية حيث لمس قوته ومقدرته مجدداً وعلم حجمه الحقيقي، حتى انه واجه المصري الخلافة العثمانية ذاتها وكسر شوكتها وتركها منهمكة تحتضر على وشك الانهيار.

وظلت الروح القومية المصرية حية منتعشة تتنفس هواء مصر الحديثة العليل، مما يعني انها تسبق عمر القومية العربية بآلاف السنين بإمتداد عمر مصر وتسبق عمر القومية العربية في العصر الحديث بحاولي قرن من الزمان.
ففي العصر الحديث تجسد مفهوم الهوية القومية القانونى مع وضع قوانين الجنسية، وتحديد المواطنة والمواطن وفق مفهوم القانون الداخلي.
وكان البُعد القانونى للهوية والمواطن يشكل أحد أبعاد مفهوم المواطنة وحقوقها، ففى حالة تاريخية مصرية ولدت مفاهيم الهوية القومية فى إطار تطور عمليات بناء الدولة الحديثة.
من قلب هذه التطورات وعمليات التحديث المادى لأجهزة الدولة والمجتمع المدني، بدأ مفهوم الهوية الوطنية الحداثى يتبلور ويرتكز على الثقافة المدنية والقانونية، وعمليات دمج الاقتصاد المصرى فى بنية النظام الرأسمالى الدولى مع تجارة القطن آنذاك.
وكانت الحركة القومية المصرية الدستورية، ما هى الا انعكاس للروح القومية المصرية ومبدأ مصر المصريين -الذي تجسد على لسان احمد لطفي السيد في وقت لاحق- فى مواجهة الاستعمار البريطانى.
فقد تجلت القومية المصرية عظيمةً في صورة شعارات الوحدة الوطنية التي تناسب إطارها الزمني مثل "يحيا الهلال مع الصليب" مع الحركة الجماهيرية العظمى عام ١٩١٩م، وتبلور زعامات وطنية سياسية ربطت بين الاستقلال والعمق التاريخي لمصر منذ عصور مجدها، أمثال سعد باشا زغلول ومرقص باشا حنا.
فى هذا الإطار السياسى القانوني، صدر قانون الجنسية المصرية فى ٥ نوفمبر ١٩١٤م، ثم عالجها المشرع من خلال عدة قوانين متعاقبة بدءاً من عام ١٩٣٦م، وتتوافق هذه القوانين على اتفاقية لوزان عام ١٩٢٣م، على الرغم من عدم التزام مصر بها آنذاك ثم تطورت بعدئذ قوانين الجنسية.
هذا الإطار القانونى لم يكن منفصلاً عن تبلور مفهوم الهوية المصرية بالمعنى السياسي، والثقافي، والاجتماعى شبه الحداثي.
فقد ترسخ مفهوم المصرية مع نشوء الطبقة السياسية الحاكمة شبه الرأسمالية، وشبه الإقطاعية، وتشكل ثقافة ليبرالية، ونخبة حاملة لها ولقيمها السياسية والمدنية كنتاج للتعليم المدني.
حسناً، إلى الآن نرى تطور الأحداث بشكل عام على مدار تاريخ مصر وما وصل إليه انتماء مصر لهويتها القومية من قوة و وضوح حتى عشرينات وثلاثينيات أربعينيات القرن الماضي.

إذاً كيف اختلف مسار الأحداث لنصل لهذا الجدال اليوم.
ظهرت جماعة الإخوان المسلمين عام ١٩٢٨م، وقبلها بعض الجماعات السلفية فى عشرينات القرن العشرين، وقد ارتكزت أيديولوجيتهم على مفهوم الخلافة الإسلامية، وأن جنسية المسلم هى دينه دينه، وهنا تناقضت وتضادت افكار الجامعة التأسيسية مع الحركة السياسية والمدنية المصرية، ومع مفاهيم الدولة المصرية القومية الحديثة.
فقد تشكلت هويتنا المصرية القومية عبر تطور الحركة القومية الدستورية فى إطار النظام شبه الليبرالي، وذلك حول مفهوم الأمة المصرية، الذى كرسته الخطابات السياسية والحزبية والثقافية آنذاك، معادا الإخوان المسلمين بالطبع، وبعض الجماعات الإسلامية المتشددة الصغيرة.
أدى هذا الجدل حول الهوية المصرية عربية أم مصرية كنتاج لعمليات التأصيل الفكرى والتاريخى للهوية وتنظيراتها فى الكتابات التاريخية لعبد الرحمن الرافعي الذي توافقت رؤيته مع رؤية الجماعات الإسلامية بشكل ما، فنرى دعمه للدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر لأنها مسلمة، تماماً كموقف مصطفى كامل.
وعلى الجانب الآخر نرى فى الأعمال الروائية لنجيب محفوظ، وفى النحت فى أعمال محمود مختار، وفى التصوير التشكيلي، وفى المسرح والسينما، والقصة القصيرة والشعر. فى عديد مكونات الثقافة المصرية الخالصة، فى المرحلة شبه الليبرالية.

بل إن بساطع الحصري، وهو أحد مؤسسي الفكر القومي العربي و الملقب بفيلسوف القومية العربية، بعد زيارته لمصر عام ١٩٣١م، قال نصاً؛
"المصريون لا يملكون أي عاطفة أو ميول تجاه القومية العربية، ولن يُقبل أن تكون مصر جُزءاً من الأراضي العربية، ولن يُعترف بأن الشعب المصري جزءاً من الأمة العربية."





القومية المصرية بعد ثورة يوليو 

جمال عبد الناصر

لكن جمال عبد الناصر استغل فائض القومية المصرية وما انتجته من زخم ثقافي، وسبقها فى التحديث وبناء الدولة والنخبة فى إبراز وجه عروبى لمصر طامساً الهوية الاصلية، الهوية المصرية.
يمكن القول إن الخطاب العروبى لناصر كان أحد سمات العصر، حيث تأثر ناصر بالاتحادات بين الدول من حوله، كما شجعت الدول الكبرى ذات المصالح الاقتصادية بإنشاء ما يسمى بالعالم العربي.
فلم تكن تلك الفكرة فى غالبها إلا نتاج لخرائط جيو-سياسية وضعتها بريطانيا العظمى مثل اتفاقية سايكس بيكو.
فقد تم بناء الدول حول نظم سياسية عائلية حاكمة، وتكوين قبلي كانت تسيطر عليه مع المستعمر قبل الاستقلال فى نظام الإدارة غير المباشرة البريطانى على خلاف الإدارة الفرنسية المباشرة.
فعندما مُنحت هذه الدول الاستقلال تحت ضغوط حركة التحرر الوطنى العربية بقيادة مصر الناصرية، التى أسهمت فى إنتاج رمزيات التحرر والاستقلال العربى، فى إطار الفكرة العربية الجامعة، لم تعارض هذه الدول الاستعمارية كما يبدو في ظاهر الأمر، بل شجعت هذا لضمان استمرار خططها الجيو-سياسية ومصالحها الاقتصادية فهى تدرك تغير الأساليب بعد الحرب العالمية الثانية.
في عام ١٩٥٨م لغي اسم الجمهورية المصرية، هو الاسم المعلن للجمهورية في مصر بموجب دستور الجمهورية المصرية الصادر في ٢٥ يونيو ١٩٥٦م، حيث قامت بقيادة جمال عبد الناصر وحدة اندماجية بين مصر وسوريا، وسميت الدولة الوليدة بالجمهورية العربية المتحدة، إلا أن هذه الوحدة لم تعمر طويلاً، حيث حدث انقلاب في الإقليم السوري في فبراير من عام ١٩٦١م أدى إلى إعلان الانفصال ثم تم عقد معاهدة وحدة متأنية مع العراق وسوريا عام ١٩٦٤م إلا أن وفاة الرئيس العراقي المشير عبد السلام عارف عام ١٩٦٦م ثم نكسة ١٩٦٧م حالت دون تحقيق الوحدة.
علماً أن مصر استمرت في تبني اسم الجمهورية العربية المتحدة وذلك لغاية عام ١٩٧١م بعد تولي أنور السادات للحكم.


محمد انور السادات

مع نكسة يونيو ١٩٦٧م، اتخذت موجة الهوية العربية الدخيلة منحنى اخر للأحداث في مصر، فعمل النظام الحاكم على توظيف الإسلام فى بناء الشرعية، وكأداة للتعبئة السياسية والاجتماعية.
فبرزت أزمة الهوية والصراع عليها من خلال حركة الإسلامية السياسي، فى محاولة لتفسير الهزيمة بإطفاء صورة دينية على أسباب النكسة مرددين ان السبب الرئيسي هو البعد عن الدين، حتى ان الشيخ الشعراوي قد سجد شكراً لله على هزيمة الجيش المصري أمام عدوه الإسرائيلي وفقدان ارض سيناء العزيزة وقد برر ذلك بتخوفه من ان ينتصر الجيش المصري في ظل الفكر الشيوعي والناصري فيفتتن الناس في دينهم.
فقد تم إعادة توظيف الدين مكثفاً فى مواجهة الناصرية واليسار وبعض الليبراليين، ثم استخدام المؤسسة الدينية الرسمية، والإخوان فى عهد السادات فى التركيز على الهوية الدينية لمصر مع طمس روح الهوية القومية الوطنية.
أيضاً ساهم في هذا الغزو الثقافي في المجتمع المصري بشكل كبير، الفئات الوسطى التى نشأت وتطورت مع التعليم، وبروز دور التجار ورجال الأعمال فيما بعد، لأنهم يعملون فى إطار المال النفطى الخليجي، وتوزيعاته.
من هنا استخدمت طبقة رجال الدين الرسميين وخطابها الدينى التأويلى كأدوات للسيطرة الرمزية فى مواجهة الأيديولوجية اليسارية والقومية العربية إزاء الناصرية وحزب البعث والقوميين العرب، فكان مصر ما بين ناصر والسادات، متذبذبة ما بين هوية عربية بقيادة ناصر، وهوية إسلامية بقيادة السادات، إلا أن كلتاهما هويات دخيلة على المجتمع المصري الذي لا يعرف سوى الانتماء لهويته القومية الوطنية، بل إنهما كادا ان يكونان وجهين لعنة واحدة، حيث أن طريقهما يقودان لنفس المصير بإختلاف مسمياته.
حيث ان الهوية العربية تقود مصر لتكون واحدة من بلاد الوطن العربي، والهوية الإسلامية تقود مصر لتكون واحدة من بلاد الخلافة الإسلامية، ضاربين باستقلالية مصر السياسية والثقافية بل والعسكرية عرض الحائط.
ومما لا شك فيه أن الوجود الإخوانى التاريخى فى إقليم النفط أفاد الجماعة على عديد الصعد، أولها: مراكمة الأموال، واستثمار بعضها لصالح التنظيم، وثانيها: نشر الجماعة لبعض أفكارها وسط العمالة المصرية والعربية والإسلامية التى ذهبت إلى النفط سعيا وراء الرزق، وثالثها: تجنيد بعض العناصر للتنظيم، ورابعها: الدعم السياسى للجماعة من قبل بعض هذه الدول.
وهكذا، في هذا الوقت، تمكنت جماعة الإخوان من ان ترتقي لتكون جماعة دولية، بالرغم من ان نشأتها على يد حسن البنا كانت بدعم مادي سعودي ومد فكري سوري وفي حضانة إنجليزية.
ذاق السادات سم الافعى التى قد آواها بالرغم من نواياه لقطع رأسها الا ان الوقت لم يكن حليفه، فمع صراعه مع الجماعات الإسلامية الراديكالية بعد اتفاقية كامب ديفيد، والقطيعة بين غالب الدول العربية ونظام السادات اعتراضاً على المعاهدة التي اعتبروها تطبيع مع اسرائيل في حين ان السادات جنح اليها بعد ان الحق بالعدو الاسرائيلي هزيمة ساحقة ليسترد ما تبقى من الارض المصرية في حوزت اسرائيل، فان الامر برمته كان شأناً مصرياً خاص لكن حاول العرب اقحام انفسهم داخل الشأن المصري ليزايدوا على مصر بشعارات عروبية فارغة.
بدأت عملية تنشيط الجدل حول الهوية مصرية أو عربية، بالذات بعد تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، إلا أن السادات اعرب عن عدم تخليه عن الانتماء العربي على حساب المصري، إلا أنه ابى ان يردخ للعرب فوجه لهم خطاب حاد شديد اللهجة على غرار الرواية الإبراهيمية، قائلاً ان هاجر ام العرب مصرية لذا على العرب ان ينتمو لمصر، اما مصر فلا تنتمي لحد.
ولم تتوقف الأمور هنا، فبعد صعود الإسلام الراديكالي، والفتن الطائفية، ومواقف البابا شنودة الثالث إزاء السادات، عاود السادات الاتكاء على عكاز الهوية الإسلامية لمصر محتمياً بالتيار الذي دعمه مما زاد قوة التيار الإسلامي بالتابعية، حيث ذهب السادات فى خطاب شهير له قائلاً أنه رئيس مسلم لدولة اسلامية.
واغتال هذا التيار السادات غدراً في ٦ أكتوبر ١٩٨١م اثناء الاحتفال بنصر اكتوبر المجيد.
 
 

محمد حسني مبارك

اتسم المجتمع المصري بالركود طوال فترة حكم حسني مبارك مما ساهم على توغل الجماعات الاسلامية وعلى رأسهم الاخوان المسلمين في نسيج المجتمع المصري ناشرين سموم افكارهم بقوة الى ان اصبحت كالمسلمات.
وكان هذا امراً محتم حدوثه كتطور طبيعي لمسار الاحداث، فإن تسييس مسألة الهوية الوطنية والتلاعب السياسى بها أدى إلى تأثيرات سلبية على الانتماء الوطني، وفى ذات الوقت ساعد الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية، وبعض العاطفيين من الباحثين أو الأعضاء فى هذه الجماعات على تديين مسألة الهوية المصرية، فزادت قوة هذا التيار وشرعنة وجوده.


محمد مرسي 

بعد قيام الثورة في ٢٥ يناير ٢٠١١م وبعد ان تأكد الاخوان المسلمون من قدوم تنحي مبارك عملوا على تصدر الثورة ليوهموا المصريين بانهم فصيل وطني كتمهيد شرعي لتحقيق اطماعهم في السلطة.
وقد كان، فصعد هذا التيار على اكتاف المصريين وجلس على كرسي رئاسة مصر محمد مرسي في ٢٤ يونيو ٢٠١٢م.
وما لبس هذا التيار في الحكم الا وان بدأ في تنفيذ مخططات مموليهم لتحقيق اطماعهم في مصر، فضبط محمد مرسي الرئيس المزعوم وهو يتخابر على مصر لصالح دول اجنبية وايضاً كان على اتصال بزعيم تنظيم القاعدة الارهابي ايمن الظواهري.
كما استقطب العديد من اللاجئيين السوريين الذين تم توظيفهم لخدمة اطماع هذا التيار في مصر واستضاف قتلة القائد الراحل انور السادات في احتفالية نصر اكتوبر في استاد القاهرة الدولي، كما وافق على التفريط في سيناء التي استبسل جنودنا في استردادها حيث وافق على تنفيذ مشروع ايجور ايلاند الذي يهدف لتوطين الفلسطينيين في سيناء واعلانها دولة لهم.


عبدالفتاح السيسي

وفي ٣٠ يونيو ٢٠١٣م وقف الشعب المصري الابي جانباً الى جانب مع قواته المسلحة و اعلن سيادة المشير عبدالفتاح السيسي تعطيل العمل بالدستور وعزل محمد مرسي الخائن من منصبه، وفيما بعد اختار الشعب لهذا القائد ليصبح عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية المصرية والقائد الاعلى لقواتها المسلحة.
وطوال هذا العقد من الزمان حارب المصريين المدنيين والعسكريين خراف هذا التيار الاسلامي من جماعة الاخوان المسلميين والجمعات التكفيرية التي ولدت من رحمها الدنس.
فقد قدم كل بيت مصري شهيد لبى نداء الواجب ودافع عن شرف الوطن بدماءه مما دمر هؤلاء الاسلاميين والحق بهم شر هزيمة.
وبغياب هذا التيار عاودت الهوية القومية لمصر في الانتعاش من جديد، حيث لا يوجد ما يمنع النسيج المصري من ان يعود لطبيعته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق