-->

هيباتيا السكندرية | انحدار الهوية المصرية

تمثال هيباتيا من المدينة الثقافية بالعاصمة الادارية الجديدة.
القاهرة، مصر.

هيباتيا السكندرية



الإسكندرية ايام هيباتيا

تدور احداث القصة في الإسكندرية تحت الحكم الروماني، لكن لتدرك حقيقة الأحداث بشكل أكثر موضوعية وجب إيضاح بعض الحيثيات حول الإسكندرية في هذه الفترة.
منذ البدأ في انشاء الإسكندرية قرابة عام ٣٣٢ق.م على يد الاسكندر الأكبر و قد قُدر لهذه المدينة ان تصبح إحدى أهم مدن العالم على مر التاريخ.
و كان انشاء مكتبة الإسكندرية بمثابة الدرة التي تزين التاج، يُقال انها كانت في مخطط الاسكندر منذ البدأ في بناء الإسكندرية، ويُقال ان من أسسها بطليموس الأول و يُقال أيضا أن بطليموس الثاني هو من أسسها او انه استكمل تأسيسها من بطليموس الأول.
اختلف الكثير عن هوية مؤسسها لكن اجمعوا على مدى اهميتها التي تكمن في ما حوت عليه من كتب ومخطوطات علوم الحضارة المصرية القديمة والأغريقية فقد حدث بها المزج العلمي والالتقاء الثقافي الفكري بين علوم الشرق والغرب القديم التي انتجت الحضارة الهلينستية.
يطول الحديث عن هذه المكتبة العظيمة لكن هذا القدر يكفي للتنويه عن الأجواء الثقافية التي كانت بالإسكندرية في هذا العصر.


لوحة مكتبة الاسكندرية

بدخول اوكتافيوس القيصر الروماني عام ٣٠ق.م. مدينة الإسكندرية تحولت مصر كاملة إلى مجرد ولاية تابعة للامبراطورية الرومانية مما أدى بالتابعية إلى تراجع مكانة الإسكندرية وزادت تدهورا بمرور الاعوام متأثرة ببعض الأحداث الرئيسية.
في عام ٤٥ ميلاديا دخل الإسكندرية رجل مسن هادئ ذو ثياب متواضعة ولحية كثيفة قال انه اتى سيراً على الأقدام من برقة حتى دخل المدينة من غربها.
قادته قدمه إلى حي مزدحم بفقراء المصريين فلما اشتدت عليه التعب استراح تحت مظلة اسكافي، فساعده هذا الاسكافي واصلح له حذائه ودار بينهما حديثا عابرا.. وأصبح الاسكافي تابعا لتعاليم هذا المسن بمرور الوقت، فكونا نواة لاحدى اقدم كنائس العالم والتي تأسست في منزل هذا الاسكافي.

القديس مرقس يعظ العوام

فكان هذا المسن هو الرسول مرقس المبشر بالمسيحية في مصر والاسكافي هو البابا إنيانوس اول بطريرك لكنيسة الإسكندرية.
خلال الأعوام اللاحقة انشرت المسيحية في الإسكندرية بسرعة لفتت انتباه الحكام الرومان، قد يعود ذلك لعدة عوامل مثل تشابه بعض الفلسفات بين المسيحية و الديانة المصرية، لكن انتشار المسيحية بين فقراء الإسكندرية بهذا الشكل اثار قلق الحكام الرومان خوفا من حدوث تمرد او ثورة.
بالطبع لم تكن المسيحية إحدى الديانات المعترف بها من الإمبراطورية الرومانية فلذلك اُعتبر اعتناقها تمرد على الإمبراطورية يجب أن يُقابل بالردع الحاسم حتى لا ينتشر، وهذا بالتحديد ما جعل المصريون يزدادون إصرارا على عدم التخلي عن إيمانهم وهنا كانت الإسكندرية ساحة من الإضرابات الفلسفية بين الديانة المصرية و المسيحية الوافدة و من جهة أخرى قمع من الإمبراطورية يقابل بإصرار من المصريين.

مشهد لتعذيب المسيحيين المصريين من قبل الرومان

ظل هذا حال الإسكندرية حتى عام ٣١٣ ميلاديا حيث اعترف الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية إحدى ديانات الإمبراطورية الرومانية و وضع حدا للنزاع.
هنا انتقل المسيحيون المصريون من مرحلة النضال والمثابرة إلى مرحلة التعمق والدراسة في الفكر المسيحي ومن ثم نشأ أختلاف المذاهب المسيحية.
فكانت الإسكندرية أشبه بساحة قتال فكري وفلسفي وسلطوي أيضا، برعت فيه الكنيسة المصرية الأرثوذكسية في ان تثبت حجتها ولمع اسماء عدة في هذه النقاشات مثل اكليمنضس السكندري و العلامة اوريجاوس الفيلسوف والانبا اثناسيوس الذي حول الرهبان في عصره معبد القيصرون الكبير إلى كنيسة البطريركية بالاسكندرية ثم تم حرقها عام ٣٣٦ميلاديا أثناء ثورة الوثنيين والمسيحيين الاريوسيين وغيرهم من الأسماء اللامعة..


هيباتيا في جامعة الاسكندرية

من هى هيباتيا


كانت فيلسوفة وعالمة فلك يونانية الاصل عاشت في الإسكندرية خلال الفترة من ٣٥٠ - ٤١٥ تقريباً، اي انها نشأة في قلب العالم الفكري في هذا الوقت و عاشت في فترة من أكثر فترات الإسكندرية اضطرابا بين المذاهب المسيحية و الديانة الوثنية.
كما انها ابنة ثيون آخر علماء الرياضيات المعروفين وزميلاً من زملاء متحف الإسكندرية (السرابيوم) الذي يعتقد أنه كان جزءاً من مكتبة الإسكندرية القديمة أو ملاصقاً لها، وكان معلمها الذي سقاها محبة الرياضيات حتى أصبحت أول امرأة عرفها التاريخ كعالمة رياضيات.
كانت امرأة فريدة ليس فقط في زمانها ولكن في أي زمن آخر، وقد رفض أبوها ثيون أن يفرض على ابنته الدور التقليدي المخصص على النساء ورفع من شأنها وذلك من خلال تعليمها مهنته الخاصة.
يقول المؤرخ سلاتكين:
“كانت النساء اليونانيات من جميع الطبقات مشغولة بنوع العمل الذي كان يتركز في الغالب على الاحتياجات المنزلية للعائلة. كُنَّ يعتنين بالأطفال الصغار ويعالجنَ المرضى ويحضّرن الطعام”.
لم تكتفِ هيباتيا بتعليم والدها، وسرعان ما وجدت وسائل أخرى لمعرفة ما يهمها وبدأت طريقها فى رحلة العلم.
كانت مولعة بالعلوم وبعلم الفلك خاصة، فقد جذبها علم الفلك بشكلٍ خاص ودفعها هذا الشغف الى التعمق فيه، حتى استخدمت وسائل وأدوات لفحص وقياس الأجرام السماوية في سماء الليل بنفسها.
ويقول هنا ديكين:
“لقد كان اتساع اهتماماتها هو الشيء الأكثر إثارة للإعجاب، فيما يخص الرياضيات، كتبت هيباتيا أول حاضرت في علم الفلك وفي علم الهندسة والجبر وأحرزت تقدمًا في التقنية الحسابية، كل هذا بالإضافة إلى الانخراط في الفلسفة الدينية والتطلع إلى أسلوب الكتابة الجيد. كانت كتاباتها -بقدر ما نستطيع أن نحكم عليه- ثمرة لتدريسها في المجالات التقنية للرياضيات، في الواقع كانت هيباتيا تتابع برنامجًا بدأه والدها وهو: “جهدًا واعيًا لشرح والحفاظ على الأعمال الرياضية الكبرى للتراث السكندري.”
كان هذا التراث مدهشًا لدرجة أن الإسكندرية كانت تنافس أثينا كجوهرة للتعلم والثقافة، ومنذ لحظة تأسيسها من قبل الإسكندر الأكبر عام  ٣٣٢ق.م، ترعرعت مدينة الإسكندرية لتظهر أفضل جوانب للحياة المدنية المتحضرة. يصف الكتاب الأوائل مثل سترابو (٦٣ ق.م – ٢١ م) المدينة بأنها “مدينة رائعة”. وكانت جامعة الإسكندرية تحظى باحترام كبير لدرجة أن العلماء توافدوا إليها من جميع أنحاء العالم.

مشهد من مكتبة الاسكندرية

ويقال إن مكتبة الإسكندرية الكبرى احتوت على ٥٠٠،٠٠٠ كتاب على رفوفها في المبنى الرئيس وأكثر من ذلك في ملحق مجاور. وبصفة هيباتيا أستاذة في الجامعة، كان بإمكانها الوصول إلى هذه المصادر يوميًا ويبدو واضحًا أنها استفادت بالكامل منه.


الافلاطونية المحدثة



من الجدير بالذكر أن هيباتيا قد تأثرت بالفكر الإفلاطوني المحدث الذي فضّل المنطق والرياضيات على المعرفة التجريبية، وكان هدف أتباع الفكر الافلاطوني المحدث حياة العقل التي تؤدي للاتحاد مع الإله بشكل صوفي، وعُرفت بدفاعها عن المنطق والفلسفة والشك، ومعارضتها للإيمان واليقين المجردين الغير مبني على حقائق.
الأفلاطونية المحدثة عمومًا تعتبر فلسفة ميتافيزيقية وفلسفة معرفية وتعتبر الأفلاطونية المحدثة شكل من المثالية الوحدوية (وتسمى أيضا الوحدوية الإيمانية). فكان الفكر الافلاطوني المحدث الكلاسيكي كشكل من أشكال التصوف ويحتوي على أجزاء نظرية وعملية. الأول يتناول أصل النفس البشرية العالية مبيناً كيف غادرت من وضعها الأول، والثاني يبين الطريقة التي يمكن بها للروح أن تعود مرة أخرى إلى الخلود والعلاء الاعظم.
ويمكن تقسيم النظام بين العالم الخفي والعالم الاستثنائي، يحتوي السابق على المتعالي من الذي تنبثق منه الأبدية والكمال والجوهر (العقل) والذي بدوره ينتج روح العالم.
أصبحت هيباتيا عميدة للمدرسة الأفلاطونية بعدما عادت من دراستها في أثينا وروما، وأصبحت أستاذة فلسفة، وعلّمت فلسفتَي أرسطو وأفلاطون على السواء طبقاً للموسوعة البيزنطية (سودا) الصادرة في القرن العاشر، وكان من طلابها مسيحيون وأجانب، ورغم اختلافها معهم دينياً إلا أن الوثائق التاريخية أكدت أنها كانت محل تقدير وإعجاب تلامذتها المسيحيين.


الخلاف السياسي بين الحاكم اوريستوس والبابا كيرلس الاول الملقب بعمود الدين



في هذه الفترة كان الخلاف والصدام شديد بين الكنيسة المصرية بقيادة البابا كيرلس الاول و اليهود والحاكم اوريستوس، فكل طرف كان يحاول أن يفرض سيطرته على المدينة.
إن خلافات كيرلس مع الحكومة وخصوصاُ مع أوريستوس، تصاعدت بسرعة أثناء الشغب والاضطرابات التي حدثت بين المسيحيين واليهود في الإسكندرية.
و يعد أول اندلاع للعنف كان عندما تم القبض على أحد اتباع البابا كيرلس الاول وهو يتجسس في وقت كان فيه الحاكم يصدر تنظيمات أو قوانين رسمية بخصوص العروض اليهودية التي تقام يوم السبت، واعتقل أوريستوس جاسوس كيرلس المزعوم وعذّبه علانية.
واندلاع العنف -بصرف النظر عن الشكاوى المتكررة التي قدمها أوريستوس ضد كيرلس للبلاط الإمبراطوري- يبرهن بقوة على أن أوريستوس أراد إثارة المتاعب ضد كيرلس لكي يتخلص منه.
فقد رأى أوريستوس أن كيرلس كان منافسًا له على السلطة، بل أن شهرة البطريرك ونظرة اتباعه له على انه الراعي الصالح الذي يبذل نفسه لأجلهم جعلت أوريستوس يشعر أن سلطته على المدينة قد باتت في خطر.
تصاعد التوتر بين المسيحيين المصريين واليهود فقد قام اليهود في إحدى الليالي بإطلاق صيحة عالية أن احدى الكنائس تحترق، ثم اعدوا انفسهم وذبحوا جميع المسيحيين الذين ذهبوا للمساعدة في إطفاء الحريق.
فاشتكى كيرلس لقادة اليهود الذين تآمروا ضد المسيحيين، لكن يبدوا ان هذا لم يكن كافيا فأحتشد المسيحيون المصريون بقيادة كيرلس واخرجوا اليهود خارج المدينة.
دون ظهور للحاكم اوريستوس دون سبب واضح، فهل كان هذا موافقة ضمنية منه على ذبح المسيحيين المصريين او طرد اليهود؟
لا نعلم بالتحديد لكن ما ندركه ان الخلاف بين اوريستوس وكيرلس الاول ازداد جدا حتى انه قيل ان كيرلس قد تخطى الحاكم وكتب للإمبراطور ثيودوسيوس الثاني مباشرة مبررا طرد اليهود قائلاً إنه “كان يدافع عن مصالح المسيحيين في المدينة في وجه هجمات قاسية”.
بعد استبعاد كيرلس لليهود من أجزاء معينة في المدينة، أرسل أوريستوس أيضا خطابًا للإمبراطور يشكو من افعال كيرلس.
وعندما رفض أوريستوس محاولات الصلح التي قام بها كيرلس، أتى حوالي خمسمائة راهب إلى المدينة من صحراء نيتريا للدفاع عن بطريركهم عندما شعروا بالتهديد وتصاعد الخلاف.
سُمي هؤلاء الرهبان بالبارابالاني وقد نشأت خدمة “البارابالاني” أصلاً في مصر مع خدمة دفن جثث الشهداء وكذلك دفن ضحايا الأوبئة.
باغت رهبان البارابالاني أوريستوس في عربته، هاجموا العربة وقذف أحد الرهبان يدعى أمونيوس حجرًا اصطدم برأس أوريستوس فاندفع الكثير من شعب المدينة لانقاذه، و قُبض على امونيوس الذي أذى الحاكم وعُذب عذابًا عنيفًا حتى مات.
ومن الواضح أن الرهبان نظروا إلى أوريستوس على أنه ممثل للوثنية، فقد صاح عدد منهم أثناء ماهجمة العربة بإهانته وسموه “وثنياً” بالرغم من اعتراضه بأنه عُمد بواسطة بطريرك القسطنطينية.


تهديد هيباتيا للكنيسة المصرية 


في ظل الخلاف السياسي بين الحاكم اوريستوس والكنيسة المصرية، سادت الفوضى واستمر الديانة المسيحية في النمو وبالتالي تحول الكثير من الوثنية إلى المسيحية وكان هذا يحدث في جو هائل من المشاحنات والصدامات.
لكن هيباتيا لم تتراجع عن معتقدها واستمرت على الفكر الافلاطوني المحدث الذي فضّل المنطق والرياضيات على الإيمان واليقين، وكان هدف أتباع هذا الفكر حياة العقل التي تؤدي للاتحاد مع الإله بشكل صوفي، ولم تبذل أي جهد لإخفاء هذا.
وهذا ما اعتبره البعض تحدي منها.
فقد سبَّب التفاف المثقفين حول الفيلسوفة هيباتيا حرجاً بالغاً للكنيسة وراعيها كيرلس الأول الذي أدرك خطورة هيباتيا على المسيحية، خاصة وأن اتباعها في المدينة يزدادون بصورة لافتة.
كما عُرفت هيباتيا بدفاعها عن المنطق والفلسفة والشك، ومعارضتها للإيمان واليقين المجردين، لكنها ظلت محط اعجاب واحترام للعديد من المثقفين حتى المثقفين المسيحيين.
فقال عنها المؤرخ الكنسي سقراط في كتابه "تاريخ الكنيسة":
"كان في الإسكندرية امرأة تدعى هيباتيا ابنة الفيلسوف ثيون بارعة في تحصيل كل العلوم ما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، فكانت تقدم تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية، خاصة فلسفة أفلاطون لمريديها الذين قدموا من كل المناطق؛ وإضافة لتواضعها الشديد، لم تكن تهوى الظهور أمام العامة؛ ورغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد سلوكها الواثق المتواضع المهيب الذي ميزها عمن سواها وأكسبها احترام وتقدير الجميع، وكان والي المدينة (اوريستوس) في مقدمة هؤلاء الذين يكنون لها عظيم الاحترام."
واعتبرها بعض المؤرخين المسيحيين مثل تلميذها السابق سينوسيوس الكورنثي "رمزًا للفضيلة" وهو الذي أصبح عام ٤١٠ ميلاديا أسقف ليبيا وكان يتبادل مع هيباتيا المراسلات.
لكن هذا لم يمنع رعاع المسيحيين المصريين من كرهها و التربص بها، ومما زاد وضعها سوءا مع الكنيسة المصرية انها كانت على صداقة طيبة بالحاكم اوريستوس الذي كان بينه وبين كيرلس الاول صراع سياسي حول السيطرة على المدينة، فقد كان اوريستوس يكن لهيباتيا تقديراً كبيراً، وقيل إنه كان تلميذاً لها.
وبظهور هيباتيا في علاقة طيبة مع الحاكم اوريستوس عُزز موقفه واستفاد من شعبيتها والتفاف الناس حولها، مما أشعر المسيحيين المصريين بالخطر بل رأى البعض انها وثنية تحرض الحاكم عليهم وتسبب في واضطهادهم، حتى أن البعض الآخر ذهب بخياله إلى ما هو أبعد من ذلك واتهمها بممارسة السحر والشعوذة لتحرض الحاكم على المسيحيين.


مقتل هيباتيا


لم يكن سهلاً على المسيحيين المصريين مهاجمة الحكومة مباشرة، لذلك قرروا التخلص من هيباتيا بأعتبارها من اقوى الداعمين للحاكم.
في عام ٤١٥ ميلاديا، في أثناء طريقها إلى البيت بعد أن ألقت هيباتيا محاضراتها اليومية في الجامعة، تعرضت لهجوم من قبل حشد من المسيحيين.
أنزلوا هيباتيا من عربتها في الشارع وقاموا بجرها من شعرها، ثم قاموا بنزع ملابسها وجرها عارية تماماً بحبل ملفوف على يدها في شوارع الإسكندرية حتى سلخ جلدها، ثم إمعانا في تعذيبها، قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف إلى أن صارت جثة هامدة، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا بها النيران.
وعلق الكاتب والمؤرخ ستيفن جرينبلات أن مقتلها "أدى إلى انحدار الحياة الفكرية السكندرية بشدة."




اعتبر مقتل هيباتيا بمثابة نهاية العصر الكلاسيكي الذي مر بسلسلة من الانحدارات التي أدت لإنهاك الهوية المصرية وإضعافها بشدة بسبب الصراعات وإعمال الشغب والقرارات القمعية التي كانت تقوم بها الكنيسة المصرية أو الإمبراطور الروماني في بعض الأحيان مثل ما حدث عندما حصل أسقف الإسكندرية ثيوفيلوس على الاذن من الإمبراطور ثيودوسيوس الاول بهدم معبد السرابيوم فجاء الامر سنة ٣٩١ ميلاديا محققاً كل امال الاسقف ثيوفيلوس، إذ أمر الإمبراطور بتدمير المعابد التي في الإسكندرية.
فسار ثيوفيلوس ومعه جمع غفير من أتباعه إلى ساحة معبد السرابيوم، وصعد ثيوفيلوس إلى المعبد، وقام بنفسه بضرب تمثال الإله سرابي الضربة الأولى، وتبعه أتباعه الذين أخذوا يدمرون في المعبد ما استطاعوا من تدمير، وبعد ذلك حولوها لكنيسة القديس يوحنا المعمدان التي تهدمت فيما بعد.
ويعتقد أن هذه الحادثة ربما مثلت النهاية المأساوية لمكتبة الإسكندرية، لأن السيرابيوم والذي يعتقد أنه كان ملاصقا لمكتبة الإسكندرية أو مشيدا بداخلها، كان يحتوي على كم هائل من الكتب.
كما قيل ان بوفاة هيباتيا نُهبت جامعة الإسكندرية وحُرقت بناءً على أوامر من كيرلس الاول نفسه، وهدمت المعابد الوثنية وقد كان هناك نزوح جماعي للمثقفين والفنانين من مدينة الإسكندرية لشعورهم بالخطر.
وهكذا تشكلت فجوة كبيرة بين ثقافة القدماء المصريين التى توارثها ابناءهم و التي قد تأثرت وامتزجت بالثقافة اليونانية فيما يعرف بالفترة الهيلينستية، وبين الأجيال المصرية اللاحقة.
بفقدان هذا الجيل الاخير من الفلاسفة المصريين تأثرت الهوية المصرية بشدة ولم يتبقى من تعاليمها وعلومها وسلوكيتها سوى العادات والتقاليد المتوارثة بين العوام وبعض الطقوس التى ورثها المصريين حتى بعد أن أصبحوا مسيحيين وبالطبع اللغة المصرية بالخط القبطي.






المصادر:
القتل المقدس، موت هيباتيا السكندرية. _شارلوت كارمر
هيباتيا: حياة واسطورة فيلسوفة قديمة. _ادوارد جاي واتس
حكمة هيباتيا: الممارسات الروحية القديمة لحياة أكثر معنى. _بروس ج. ماكلينان
العنف في أواخر العصور القديمة: التصورات والممارسات. _ هارولد أ. دراك
عن التعصب. _محمد الغزالي
موسوعة قصة الحضارة. _ويل ديورانت
مصر من الاسكندر الأكبر حتى الغزو العربي. _ايدرس بل
الاثار البطلمية الرومانية في مصر (الجزء الاول، الإسكندرية القديمة). _صبحي عاشور
الإسكندرية القديمة وآثارها. _عزيزة سعيد
الإيمان والفلسفة: التأثير التاريخي. _ د. جي. ليهي
الغنوصية والأفلاطونية الحديثة. _ريتشرد ت. ولاس، جاي بريجمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق